الجامعة العربية- هل تجاوزتها الأحداث والحلول في التحركات الثنائية؟

المؤلف: وفاء الرشيد09.07.2025
الجامعة العربية- هل تجاوزتها الأحداث والحلول في التحركات الثنائية؟

في غمرة النقاش المحتدم حول مستقبل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، تتردد أصداء تساؤلات حيال موقف المملكة العربية السعودية من هذا الموضوع الحيوي، وسط تكهنات رائجة تفتقر إلى أساس رسمي موثوق. الحقيقة الجلية، التي لا تغيب عن فطنة المراقبين، تتمثل في أن "الجامعة العربية بهيئتها الراهنة عاجزة عن تحقيق أدنى مستويات التعاون العربي، فضلاً عن قيادة الملفات المصيرية"، كما يؤكد الباحث السياسي الدكتور أسامة عبد المجيد. ويضيف: "إن ما نشاهده من غياب الجامعة عن معالجة قضايا ملحة كأزمات غزة وسوريا والسودان، يجسد هذا العجز المتأصل". وتؤكد الإحصائيات الحديثة هذه الحقيقة، فوفقاً لتقرير صادر عن "مركز الدراسات العربية" عام 2024، تمت معالجة 72% من القضايا العربية الملتهبة عبر قنوات ثنائية أو إقليمية، بينما اقتصر دور الجامعة على إصدار بيانات إنشائية خالية من أي تأثير عملي ملموس. وللتدليل على ذلك، نأخذ على سبيل المثال أبرز الملفات الساخنة في المنطقة: مفاوضات غزة التي تحظى برعاية مصرية وقطرية، والتوافق الخليجي بشأن برنامج إيران النووي بقيادة سلطنة عُمان ودول الخليج، والمساعي السعودية الدؤوبة لإعادة سوريا إلى محيطها العربي. لقد تمت وتُجرى هذه التحركات الملموسة جميعها خارج إطار الجامعة العربية، ما يعكس واقعاً مؤلماً: الجامعة العربية لم تعد في مقدمة الأولويات العربية، ولا تمثل مظلة جامعة لحل النزاعات المستعصية. وحتى القضايا المزمنة، كالأزمة بين المغرب والجزائر أو الوضع المتأزم في السودان، لم تجرؤ الجامعة العربية على إدراجها بجدية في جدول أعمالها. وهذا ما أكده تقرير صادر عن "المرصد العربي للدبلوماسية" عام 2023، الذي لفت إلى أن "أكثر من 60% من القضايا الخلافية بين الدول الأعضاء لا تجد طريقها أصلاً إلى النقاش في اجتماعات الجامعة". ويعبر دبلوماسي خليجي، فضّل عدم الكشف عن هويته، عن هذا الواقع بقوله: "في كل مرة نلجأ فيها إلى الجامعة، نصطدم بتضارب مصالح لا نهاية له، وبيانات ختامية أشبه بالخطابات الرنانة، دون أي أثر يذكر على أرض الواقع". أمام هذا المشهد القاتم، يتضح جلياً أن السعودية لن تولي اهتماماً كبيراً بمنصب الأمين العام أو تنخرط في إعادة هيكلة جامعة لم تعد قادرة على تلبية متطلبات المرحلة الراهنة. هذا تقديري الشخصي المبني على قراءتي للواقع، وليس على معلومات مؤكدة. فالعمل العربي المشترك اليوم يتطلب أطراً أكثر مرونة وفاعلية، تتجاوز الشعارات الجوفاء والمجاملات الدبلوماسية البروتوكولية. تدرك السعودية، شأنها شأن غيرها من الدول العربية المؤثرة، أن زمن "إعادة إحياء" مثل هذه الهياكل قد ولى إلى غير رجعة، وأن الأهم هو بناء شراكات حقيقية ومثمرة خارج هذه المنظومة التي تعاني من الترهل والعجز. الأمر المؤكد أيضاً، أن المملكة ماضية في انتهاج سياسة ترتكز على الواقعية والعملية، بعيداً عن الانخراط في خلافات وهمية أو الانجرار إلى إرث بيروقراطي عقيم. لذا، فإن أي حديث عن اهتمام سعودي بمنصب الأمين العام للجامعة، ما لم يصدر في بيان رسمي معتمد، لا يعدو كونه مجرد تكهنات عابرة لن يكون لها تأثير يذكر على مسار الأحداث. في زمن عربي يموج بالاضطرابات والتغيرات المتسارعة، باتت المسؤولية التاريخية تقتضي منا أن نعيد النظر بجرأة في جدوى الجامعة العربية، وأن نعترف بصراحة ووضوح: بأن الحلول الحقيقية لن تأتي من جامعة فقدت القدرة على التأثير الفعلي، بل من الدول العربية نفسها، من خلال تحركاتها المباشرة وإرادتها المستقلة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة